الأربعاء، 9 أغسطس 2017

( اسئلة وجودية للغاية) ( الجزء الأول 1 )

( اسئلة وجودية للغاية) ( الجزء الأول 1 )

التفكير في الأسئلة الوجودية يبدو وجوديا للغاية، مجرد التفكير في السؤال الأحمق، هل أنا حقا موجود؟ هو دليل واضح وصريح مثبت لا يحتاج لبراهين أخري علي وجودنا، أقول ذلك وبثقة شديدة أعقب: لا مزيد من الأسئلة سيادة القاضي، وأعود لكرسيي بدون أن أنظر لأعدائي الغاضبين من العدميين الذين يتبجحون بمثل هذا السؤال السخيف، منتصراً سعيداً، وغاضبون هم لأني منتصر، وسعيد، كأي محامٍ في فيلم أمريكي يحترم نفسه.

وسأخبرك الآن ما أعتقده لأقول وبتلك الثقة أن ذلك السؤال هو سؤال أحمق، هل نحن فعلا موجودون؟
يكون الحديث في هذا الموضوع مملا حقا ويحوي الكثير والكثير من المواقف والأمثلة والحكمة المزيفة، فتحملني أرجوك، أو إرحل، نو هارد فييلينجز.


الأصل في أن يعمل أي شيء بنجاح ليقوم بأداة مهمة معينة، هو أن تكون تلك المهمة واضحة أصلا.
الطريقة التي يعمل بها الميكروباص ليقلنا من مكان لآخر بنجاح، هو أن له خط سير واضح، الميكروباص رقم 3 سيمر بالمكان الفلاني والمكان العلاني بعد أن يعبر الطريق المعين، لنذهب جميعا إلي بيوتنا.

 أحد السائقين اعتقد أن الميكروباص الخاص به سيذهب للمكان الفلاني وللطريق المعين، ولن يذهب للمكان العلاني، لأن هذا مرهق ولأنه لا يريد ذلك بأي حال، ولسوء حظه الشديد في الحياة فقد كنت أسكن في المكان العلاني، وأريد أن أذهب لبيتي، لأنام علي سريري المريح، بعد يوم شاق وطويل وممل، وذلك السائق يقف في طريق أحلامي البسيطة، بمنتهي الحزم يقف أمام الميكروباص، مطلقا العنان لكرشه المستدير، متحرشاً بالمارة _الكرش وليس السائق_، ويصرخ في غضب ممزوج بلهفة مريبة، فلاني يا أستاذ؟ معين يا آنسة؟ ولا يهتف أبدا علاني يا بيه مثلا لأومأ برأسي في طريقي لركوب سيارته، كما العادة.

- علاني يسطا؟ قلت في تساؤل حذر متحفز يملؤه الشك.

لأ يا رايق آخري الفلاني. قال ولسان حاله يقول ألا مزيد من الأسئلة، ولكن لا أعتقد أنه قد شاهد محاكمة من فيلم أمريكي قبل ذلك بأي حال.

توجهت ببساطة بلا أي محاولة لاقناع السائق، لأحد أمناء الشرطة لأخبره بمنتهي البراءة أن السائق لا يلتزم بالخط وأن في ذلك إهانة له شخصيا، وللدولة وللرئيس، ورجعت إلي البيت بتاكسي فلا أمان لسائقي الميكروباص بأي حال وأنا الآن مجرم واشي آخر في عرفهم.

يبدو مشهد سائق الميكروباص وهو ينظر لي بتوسل شديد قائلا: أنا قلتلك مش رايح العلاني يا كابتن؟ طب اسأله يا باشا طيب وهو يقولك. حزينا متألما فاقدا للأمل وللرخصة، يبدو مشهدا مرضيا للغاية فعلا، يستحق ذلك الداعر جراء أفعاله، ليتعلم أن يلتزم بالخط بعد ذلك، وليتركنا لنقضي مصالحنا في هدوء، وليعم الصلاح البلد بقي.

في اليوم التالي كنت في ميكروباص آخر ملتزم بخط سيره في هذه المرة منتظرا أن يكتمل العدد فتبدأ الرحلة المميزة إلي جامعتي المفضلة، عندما ظهرت في الأفق أمرأه أربعينية في حجم صغير الفيل تجر وراءها دستة من اثني عشرة عيل وعيلةُ تتمهم ثلاثة عشر، لا أعلم وليس لدي الفضول الكافي لأتسائل من أين حصلت تلك المرأة علي هؤلاء العيال، أعمارهم متقاربة كفصل صغير ومستحيل بأي حال من الأحوال أن تكون قد أنجبت كل هؤلاء بنفسها، لا يستطيع الفيل نفسه تحمل هولٍ كهذا، وعندما همت وعيالها بركوب العربية او بحشرهم في الكنبتين الي ورا، صرخ السائق في ذعر كمتهم إعدام حصل علي فرصة أخير للدفاع عن نفسه أن الكنبتين إلي ورا خلاص يا مدام.

وبعد الكثير من الصراخ والسباب، والكثير من الألفاظ الخادشة للحياء، من طرف السيدة التي تشبه الفيل وليس من طرف معاذ سائق الميكروباص بالطبع والذي عرفت اسمه بعد ذلك، قامت في النهاية بعد أن أنهت حوارها معه كمحامي أمريكي محنك قائلة : انت راجل ابن *****ة أصلا، قامت باخراج هاتف صيني يشبه النوكيا ولكنه ليس نوكيا، وأتصلت بمحمد لتخبره أن السائق ابن ال****ة قد قل أدبه عليها أصلا، وأنها لا تريده أن يعبر من كمين كفر العرب بسلام، لأنه ابن ***** يا محمد والله.

 انتهي الموضوع برحيل معاذ بدونها وركوبها وعيالها في الميكروباص الي بعده، وعندما خرجنا من الموقف بسلام واختفينا من أنظار المدام التي تشبه صغير الفيل، هتف معاذ في غضب متحفظ، انا مارضتش اتكلم عشان هي مر* بس، وافقناه القول بدون أي تفكير وجامله كل راكب بسبة مختلفة في عرض السيدة صغير الفيل وعرض الفصل الصغير نفسه، حاول ان تتخيل رجلا في الستين من عمره يسب طفلا في السابعة باقذع الألفاظ، كنت أخشي أن يفتح أحد الشباب الباب من فرط الحماسة ويذهب لقتل تلك الساقطة ( كما كان يقول ).

خلاصه ما أريد أن أقوله أن معاذ الذي تعاطفت معه بشدة، وخاض الجميع في عرض سيدة لا يعرفونها ليواسوه، في مساء ذلك اليوم، لن يلتزم بخط السير ليستطيع اللحاق بأحد الماتشات علي إحدي القهاوي، ولأن ذلك سيوفر عليه بعض البنزين، أو لأن ذلك يروق له فقط، في رحلته الأخيرة في ذلك اليوم، ومتحذلق آخر ( ليس بالضرورة أنا ) سيشكوه لأحد أمناء الشرطة، وسيتوسل معاذ، ويشعر بالذل، وسيشعر المتحذلق بالرضا.

أما السائق ذو الكرش المتحرش الذي تحدثت عنه سابقا، فسيكون هو معاذ الخاص بشخص آخر، وسيدة أربعينية تشبه الزرافة مثلا، في مكان آخر حول العالم، أو حول المحلة الكبري إن أردنا الدقة، ستتحرش بالسائق ذو الكرش وتتوعده بالأهوال عند كمين كفر العرب، وسيتعاطف معه الجميع، وهكذا.

تلك الأمور نسبية، وذلك أحد الأسباب التي تجعلني أجد السؤال " هل أنا حقا موجود ؟ " سؤالا سخيفا، لأن تلك الأمور نسبية، الوجود بمفهومك لا يعني بالضرورة الوجود في مفهوم معاذ السائق مثلأ، الكتابة عن أمر كهذا تبدو فعلا طويلة ومرهقة ومستحيلة، وفي النهاية ستكون محاولة بائسة لإقناع الآخرين برأيي الشخصي، النسبي جدا، ومن وجهة نظري، فأفضل طريقة للتعامل مع الاختلافات بين آرائك ومعتقداتك بالنسبة لمعتقدات واراء الآخرين، هو تجاهل الأمر.

المواقف التي جمعت عدة أشخاص في نفس اليوم بذات السائق هي مواقف مختلفة للغاية، ومن المستحيل ان يتكون لديهم جميعا الانطباع ذاته، واحترام تجارب الآخرين هو المفتاح لتجنب المشاكل في مثل تلك الأمور.

سأعاود الكتابة لأخبركم عن سبب آخر يجعلني أعتقد أن السؤال " هل أنا موجود سؤال سخيف؟ " وموقف آخر لأدعم به سببي، وأصدع رؤوس الجميع، أو من يصل لهذا الحد من القراءة منهم.

دمتم،،

Share/Bookmark

الجمعة، 9 يونيو 2017

(رحلة المئة ثلاثاء! )

عن العصبية و النسبية والعشوائية و التقبل والعشوائية والـ في إيه؟ ثم ، الفكرة. (رحلة المئة ثلاثاء! )، لأنه لا أسماء أقصر سوف تصف شيئا كهذا.



إنها المرة التاسعة مثلا التي أعود فيها للتدوين، الطريف أنه في كل مرة أقرر فيها ذلك القرار الصعب، فإن المحصلة في النهاية تكونُ تدوينة وحيدة حزينة ومملة، لا يقرأها أحدٌ في الغالب، لذلك فإن التغيير الذي سأقوم به في هذه المرة، هو أنني لن أعود للتدوين، فقط سأكتب هذه التدوينة الحزينة المملة، ثم أعود لحياتي التي هي بطبيعة الحال أشد مللا، وأكثر.

التغيير رائع، عبقري ومميز، الشعور المصاحب لأي تغيير كبيرا أو صغيرا كان، هو في نظري، أشبه بالاستحمام، رائع، عبقري، ومميز! يضفي لمسة فريدة من نقاء الروح المصاحب لرائحة زكية حقاً، قادر علي أن يحيل أسوأ مزاج ممكن أن تمر به إلي سعادة وراحة بالغين ومفرطين لحد " الانتخة " مثلا، وقد لا يصح تعبير آخر ليصف الشعور بذات الدقة، والبلاغة.

وكالإستحمام، والأنتخة، التغيير قد لا يكون بذات الروعة إذا زاد عن الحد اللازم، يمكنك أن تغير وظيفتك كل عشرة أعوام لتبدأ من الصفر، في كل مرة، وتتحدث عن ذلك التغيير في محاضرة سيشاهدها الملايين لتحفزهم علي تحمل الفشل لبضعة أيام إضافية، إلي أن تنبثق لهم محاضرة أخري، من أحد الثقوب في الإنترنت المظلم، والغامض.

ومنطقيا، يمكنك تغيير وظيفتك كل عشرة أسابيع، لا مشكلة، الدنيا تجارب كما يقولون وأخيرا قد وجدت شغفك في الحياة، للعشرة أيام المقبلة، وكما يجب أن نقول، مئة تجربة لم تنجح، لا مئة تجربة فاشلة، وأستطيع أن أعدك أن الحالة الوحيدة التي ستنبثق فيها إحدي محاضرتك في وضع كهذا، هو أن يصبح العالم نفسه، وليس الإنترنت، مظلما، وغامض.

لا أعرف كيف كان الأمر قبل الإنترنت، لا أعرف كيف كان الأمر قبل الفيسبوك حتي، ولكن ما أعرفه الآن أن الجميع أصبح لهم الحق في الإدلاء بآرائهم بمنتهي الحرية، مهزلة حقيقية، منذ صغري وأنا أكيد من أن عصير الموز هو أحد أروع الأشياء علي الإطلاق، يأتي في المرتبة الثامنة بعد عجائب الدنيا السبعة، والسبب الوحيد في ذلك أنهم عجائب الدنيا والموز ليس عجيباً فقد لا يصح أن يسبقهم لدواعي الأدب والإحترام العجيبة بدورها، وخلاف ذلك فهو الاروع، والأفضل.

كيف يجرؤ أولاد الكلب علي الاعتراض علي أمور بديهية كتلك؟ أشعر بغضب جم وشديد حينما يتشدق أحدهم ولسانه الأحمر يجعل الموضوع أسوا مما هو عليه أصلا بمراحل، بأن عصير الرمان هو أفضل الأشياء علي الإطلاق! ويبدأ البعض حتي في إدخال الدين والعادات والتقاليد في الموضوع، إن فلان بن فلان بن فلان كان يحب عصير الرمان أكثر من عصير الموز، ويبدأ به، أريد أن أكسر رأس هذا المعتوه، بفأس، وشاكوش.

أمضيت الساعات والأيام والأسابيع والشهور في ذلك الجدال العقيم، أستيقظ في الصباح لأمارس مهمتي السامية في محاربة مناصري عصير الرمان، والدفاع عن شرف عصير الموز، حتي يأتي الليل فأشرب عصير الموز، ثم أنام. وفي أحد الأيام قررت أن اتذوق عصير الرمان، لأكتب مقالا لاذعا منطقيا ويأتي بالخلاصة التي تفند الجدال إلي الأبد وينتصر الحق ويفرح الجميع، ويسعدون.

كان يوم ثلاثاء، لا اهمية لتلك المعلومة ولكنني أذكرها، وكان عصير الرمان في ذلك اليوم هو أفضل شيء تذوقته علي الإطلاق، وفي ذلك اليوم توقفت عن الجدال وتعلمت درساً مهماً، تلك الأمور نسبية، وإذا أردت لنفسي الخير فلا يجب أن يكون لي تدخل فيها، ولا رأي.

" تسمي جدتي الأسبوع جمعة، مرت جمعة منذ أن جاء عمك، مرت ثلاث جمعات منذ أن رحل خالك، وأنا أصبحت أحب أن أسمي الإسبوع بالثلاثاء. "

مر ثلاثاء وأنا أعرف أن الأمور نسبية، تعلمت الكثير في تلك المدة، عصير الموز رائع فعلا ولكن محبيه هم أسوأ فئة من المتعصبين البربريين في العالم، ثم أن أنوفهم الصفراء مستفزة فعلا، كيف يمكن أن يكون شخص بأنف أصفر كهذا ويتكلم أصلا؟ تعلمت أيضا أن الألسنة الحمراء لمحبي عصير الرمان لا علاقة لها بالعصير نفسه، وأن التغيير ممكن أن يكون كل عشرة أيام، ما المشكلة؟ اليس الإلتزام بمدة العشر سنوات تلك هو إقرار ضمني بأنها وصفة لا تغيير فيها، ولا خلافه.
مر ثلاثاء آخر، أنا في مشكلة حقيقية فعلا، لا أعلم لها حلا، محبي عصير الرمان ذوو الألسنة الحمراء، لا تمت ألسنتهم الحمراء للأمر بصلة، ومحبي عصير الموز ذوو الأنوف الصفراء، لا تمت أيضا أنوفهم الصفراء للمشكلة بصلة، جميعهم رائعون وعلي حق، ثم إن هناك عصير الليمون، والبطيخ، والجوافة، والتعقيد يزداد وأنا أصبحت أنام في كل ثلاثاء مرة، لأن التفكير لا يفارقني، وكنت أعتقد ساذجا أن تغييرا كهذا سيريحني من أعباء العراك لأجل الموز، والجدال.

مر ثلاثاء إضافي، أصبح الموضوع جليا، إن ترك وظيفتك كل عشرة أيام هو أمر مكرر، وتركها كل عشرة سنوات هو مكرر أيضا، لا تغيير حقيقي في ذلك ولا إبداع، ناهيك عن التمسك بها للأبد والموت في تابوت الروتين المظلم، واضح ما هو، والواضح أيضا هو الحل، البسيط والسهل، أترك وظيفتك عندما تشعر بذلك، قد تشعر بالأمر بعد عشرة أيام أو بعد عشرة سنوات أو قد لا تشعر به أبدا، ولكن التغيير الجوهري الحقيقي هو أنك في كل ثانية يزداد إنفرادك وإبداعك في إتخاذ ذلك القرار، ورغم أنه يبدوا مكررا إذا نظرنا له كنتيجة نهائية وفعل أكيد، ولكن عملية التفكير التي أدت لتلك القرار هي المميزة، تبدو بعد ذلك أمور كمحاولة التميز والإبداع في طريقة التفكير نفسها، للوصول لأفضل القرارات وأكثرها إستقرارا أو عشوائية، زي ما تيجي، هي أمور مفيدة، وصحية.

مرة ثلاثاء آخر، المشكلة الآن كبيرة جدا، أكبر من أي وقت مضي، لا تخف لم أغير رأيي مرة أخري، ما زلت مقتنعا بكل تلك الأشياء، وتلك هي المشكلة، ما الذي يجبرك أنت علي الإقتناع بها؟ قد يكون رأيك مختلفا تماما، إن العصير حرام في المرتبة الأولي ويجب أن نكتفي بتذوق الفاكهة ونتوقف عن عصرها، رأيك ولديك أسبابك وأنا لدي رأيي وأسبابي، ولكن من المؤكد أن أحدنا علي خطأ وأحدنا علي صواب، ناقشت زميلا لي في أحد المواضيع فكان رده أن نأتي بثالث لنا، ليس معي، ولا هو معه، فنضمن رأيه المحايد منذ البداية، وبوجود الثالث فإن أغلبية ما في الرأي ستتحقق، وبحكم الأغلبية فإننا نعرف الصواب من الخطأ، والضلال.

مر ثلاثاء وأنا الآن في مصيبة، أنا مصاب بمرض نفسي ما، هذا مؤكد، التفكير المعتل والشك قد انتشرا في دماغي كمرض خبيث ما، لا أود ذكر اسمه لأن ذلك يخيف أمي، ولكن لنعرض الأمر، الم يكن حب عصير الموز في بداية الأمر هو أغلبية يتفق عليها الناس، ونحارب جماعةً الأقلية الضالة المحبة للرمان؟ ما الذي يجعل الصواب هو رأي الأغلبية إن كنت في النهاية قد قنعت وإقتنعت بأنه لا فرق بين الموز والرمان في شيء؟ وكيف تكون مجموعة من ثلاثة هي الفاصل في حكم الصواب والخطأ في عالم يسكنه مليارات البشر؟ لم أكن أود أن أفتح هذا الموضوع مرة أخري ولكن هل يكون التغيير فعلا أمر خاطئ يفعله الجميع مدعين إنهم وحدهم يفعلوه، وفرسان الحق فعلا هم من يتمسكون برأي واحد من البداية إلي النهاية؟ تبدو العبارة كعبارة مخبول في مصحة ما ولكن ما الذي يمنع فعلا؟ وثانية واحدة، ما الذي يجعل المخبول مخبولا ويجعلنا جميعا عقلاء غير أننا جميعا متفقون وهو المختلف الوحيد؟ هل نستطيع أن نعتبر علي سبيل راحة البال أن رأي الجماعة صواب حتي وإن كان خاطئا، هما أقدر علي أي حل علي فرضه وتطبيقه، أم أن هذا لا يكون عادلا؟ هل تنتهي تلك الأفكار أبدا والأسئلة؟ أم أن كل سؤال يتلوه سؤال أخر، ومعضلة.

مر مئة ثلاثاء منذ حادثة الرمان، أسميها حادثة لأن الحادثة في اللغة هي ما يجد ويحدث وما يقع فجأة، وقد وقعت تلك الحادثة فجأة، والحادثة هي أمر طارئ، عرضي، فجائي، أو مؤلم، لست طبيبا ولا أفهم كلام الأطباء ولا أحب أن أسمعه أصلا ولكن كنت مضطرا فالألم يزداد، لأسباب، لا أفهمها كما قلت، عصير الرمان سبب لي مرضا ما وأنا مضطر للتعايش مع هذا المرض، ومع الأفكار السوداء النابعة من ذلك الجدال الأبدي، ومضطر أن أقاطع الرمان أيضا، والموز.

إن كنت وصلت إلي هذا الحد من القراءة فأبشرك بأني علي وشك الإنتهاء، ومن لم يصلوا فهم غير مهتمين بأي حال، إن كنت شخصا لا تجمع الطوابع، فلا معني لسؤال لك عن أي طابع ضمن مجموعتك هو المفضل لك، السؤال ليس له معني، لديك خمسة قطع من الحلوي تريد أن تقسمها علي خمسة أشخاص، ستقوم بإعطاء كل شخص قطعة واحدة، هناك معني للقسمة علي خمسة يكمن في تلك الجملة، والقسمة علي صفر إن حاولنا بذات الطريقة فهمها فلن نجد لها معني، ليس لديك أي أشخاص أصلا لتقسم عليهم الحلوى، ما علاقة ذلك بالأمر؟

عندما أًصبحت مجبرا علي مقاطعة الموز والرمان، لم أعد مهتما أصلا أن يكون لي رأي، لا فارق، فليحترق العالم بموزه برمانه، لا علاقة لي بالأمر، نسبية الأفكار هي مشكلة حقيقية عندما نكون قد اخترنا أفكارنا بالفعل، ومشكلة أكبر وأكثر عنفا وضخامة عندما نكون مرغمين علي الأختيار، سواءا كان ذلك نابعا منا او من مؤثر أخر هو الذي يجبرنا علي ذلك، ونسبية الأفكار لا تمثل أي مشكلة تذكر عندما يكون الإختيار نفسه نسبيا، لا يجب الإختيار بين الموز والرمان، ولا يجب الإختيار بين ترك وظيفتك أو الإستقرار فيها، فلتفعل ما يحلو لك، ويكمن الفارق الجوهري هنا أنك لا تفعل لذلك لتولد ذلك الحل المختلف المميز الإبداعي، وإنما فقط بدون سبب آخر غير رغبتك في فعل ذلك، وربما الأمر ليس بتلك الأهمية، وما ولّد المشكلة الكبري من البداية هو إعطائنا الاهمية لأمور أبسط بكثير من ذلك، قد يبدو عصير الموز بسيطا وتافها، ولكن ما تعتقده أنت ويبدو معقدا كبيرا ومهما ومؤثرا في مسار البشرية، هو أمر بسيط وتافه لآخرين.

لم أعد أعرف كم ثلاثاءَ قد مر، ولكن ما أعرفه وما أنا أكيد منه، أن نظرتي للأمور الآن علي قدر ما هي آمنة صحيحة سليمة ذات فوز مضمون ومكسب، علي قدر ما هي خاطئة لا تحتمل الصواب حتي وستؤدي بي لفشل لا قيام منه، تلك النظرة لم أخترها لأي السببين، ولكن فقط لأنني أريد ذلك، ربما يكون وقع الخسارة والفشل أهون، والأسئلة والمعضلات أكثر قابلية للحل، ربما أترك وظيفيتي الآن وأتحمل الخسارة بكل روح رياضية، رغم أنني تركتها لاجل النجاح الذي حصل عليه الشخص من المحاضرة المنبثقة، ربما إن كان الموضوع منذ البداية بتلك البساطة.

دمتم،،

Share/Bookmark
rss