الثلاثاء، 8 سبتمبر 2015

(1) أفكار ما قبل النوم الإنتحارية




لا ساعة في غرفتي لتخبرني ماهو الوقت، ولكن صوت الهدوء يخبرني أننا في الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل، أمضيت أعواما أستمع للهدوء، له أصوات كثيرة، هنالك ذلك الهدوء الآسر الذي لم يزرني منذ ثمانين عاما، هدوء الإطمئنان والطفولة، هناك هدوء الليل، وهناك هدوء للأخطار، وهناك هدوء للحزن، هناك هدوء آخر أشعر به الآن، هدوء لروحي، فَرِحة أنها ستغادر هذا الجسد أخيرا وستتحرر، لا يمنعني الصمم من سماع هدوءها، لا يمنعني إلا من سماعكم أنتم، يمنعكم من سماعي أيضا وهذا جيد، لكم على الأقل، الجميع نائمون، وأنا هنا بغرفتي، أكتب.

أكملت عامي السابع والثمانين منذ أيام، يا لي من مزعج، لماذا أعيش كل تلك المدة؟ أتذكر عندما بلغت الثامنة عشر كنت قد قطعت وعداً علي نفسي أن ثلاثين عاماً في هذا العالم أكثر مما يكفي، وأنني في السنوات التالية سأفعل كل ما أريده وأحقق كل أحلامي وسأنهي حياتي بعدها.

كمراهق فإن فكرة كهذه قد تتحول لحالة مرضية خطيرة، تصبح مرضية عندما تبدأ في التحول لعادة يومية أن تقضي بضعه دقائق قبل نومك تحلم باليوم الذي ستنهي فيه حياتك، الرسالة التي ستتركها والتي ستنتشر بسرعة في العالم كتحفة أدبية تتوج حياتك الحافلة بالإنجازات، تصبح خطيرة عندما تتحول هذه الدقائق لأوقات طويلة، تقوم ببحث حقيقي عن الطريق التي ستسلكها مع أقل ألم ممكن، تكتب فعلا رسالتك الأخيرة، التي تتغير كل يوم بالطبع تبعاً لحالتك النفسية، ولكنها دائما ليست بتلك الجودة وأنت تشعر بالنعاس وستستيقظ في اليوم التالي سعيدا كبطة حمقاء أو علي الأقل تعتقد ويعتقد الجميع أنك كذلك، وسيمر يوم آخر قبل أن تعود لخيالاتك ثم تنام.

مع الوقت ستصبح مدمناً، وتذكر تلك العبارة لأنني سأتحدث عنها كثيراً، مع الوقت ستصبح مدمناً، ستكون حياتك مذبذبة بشكل متطرف وسيكون لديك وقت محدد ومكان معين ستذهب إليه في كل يوم، ستغمض عينيك وستبدأ التفكير في إحدي السيناريوهات التي تنتهي مع أنفاسك الأخيرة، بعضها سيكون مليئا بالحب والسعادة وبعضها سيكون مليئا بالحزن والألم، قد تكون فقيرا ومشردا وقد تكون ثريا بشكل أنت نفسك لا تصدقه، ومع تفاوت تلك القصص العديده بين النجاح والفشل والصحة والمرض وكل تضاد آخر موجود في العالم، أو مع إلتزامها لجانب واحد من الطريق سواءا ذلك الجانب الوردي الملئ بالزهور والفراشات أو الجانب الذي يسكنه المشردون والكلاب الضاله ومصاصو الدماء، ستذهب في كل يوم إلي ذلك المكان وستبدأ رحلتك اليومية القصيرة للغاية مع الإكتئاب، لا تعلم بعد أنك مكتئب وأنك في مرحله متقدمه من الهروب من الواقع، فأنت سعيد كبطة حمقاء، كما سلف أن أخبرتك.

مع الوقت سيلاحظ الناس، وتذكر تلك العبارة أيضا، لاشيء، لاشيء في حياتك ستفعله دون أن يلاحظ أحد، عندما تقتصر عادتك الغريبة علي بضعه دقائق قبل نومك فلا أحد سيلاحظ، ولكنك ستحتاج المزيد، في تلك الأيام التي ستقضي أكثر من نصفها نائما فإن جميع من حولك سيلاحظون، فقط لا أحد سيقول شيئا، عندما تبدأ في الشرود لأوقات طويله في كل تجمع يزيد عن ثلاثة أشخاص فإن الجميع سيلاحظ أيضا، لا أحد سيقول شيئا، ستنسحب بهدوء وبدون أن تشعر من الحياة الإجتماعية وستصبح ذلك الغريب الذي يكلم نفسه، يبتسم ويضحك وتدمع عيناه بدون أسباب واضحة وفي أوقات خاطئة، الجميع يعرف، ولكن لا أحد سيتحدث عن ذلك، في البداية مشاكلك الشخصية تكون بعيدة عن إهتمامات الآخرين، ولكن في نقطة معينة فإن حياتك بالكامل تكون بعيدة عن أعينهم، لأنك ببساطة قد إنتقلت إلي عالم آخر.

لأن أكثر ما كرهته في حياتي هو النصائح الممله الطويله السخيفه والغير مقنعة إطلاقا، فلن أقوم بنصحك بالتوقف عن الهروب من الواقع والحصول علي حياة حقيقية قبل أن ينتهي بك الحال عجوزاً لا يعرفه أحد ولا يهتم به أحد، مثلي، سأخبرك بعض الأمور عن حياتي وعن حياتك إذا أكملتها بنفس الطريقة، وكيف إعتقدت أنني سأنتحر عندما أبلغ الثلاثين، لا أعرف أو لا أتذكر أي تلك القصص كان حقيقيا وأيها كان مجرد خيال آخر، ولكن إذا كنت أحد هؤلاء الذين يملكون حياة أخري كاملة يعيشونها فقط لبضع دقائق عبر أفكار ما قبل النوم، فأنا أشعر أنك ستعرف.

اليوم الأول
دُمتم

Share/Bookmark
rss