الاثنين، 8 يوليو 2013

(8) - إنتحار - الجزء الثالث

بعد أسبوع من إنتقالي بدأت أتقبل ما حدث، كنت أعتقد أن حياتي رائعة وأنها ستبقى كذلك للأبد.. رائعة! حان الوقت لأتسامح مع القدر قليلا فهو لا يحب هؤلاء الذين يثقون به وكأنه حليفهم مثلا! هو لا يحب الذين يأمنون له ولا ينتبهون لما ورائهم من أهوال، ربما ما كان يجب أن اطمئن، ربما لو أخذت حذري لكنت أعيش الآن في نفس المنزل، مع نفس الناس، نفس الحياة!

لفهم القصة يجب قراءة الأجزاء السابقة ،الجزء الثاني من هنا

كانت الصلاة هي أكثر ما يريحني، لم يبق لي في تلك الحياة إلا الله، صدقت " لا حول ولا قوة إلا بالله " و " إنا لله وإنا إليه راجعون "، صدقتا بالفعل، أسبوع، كنت أعتقد فيه أن حياتي تحولت لأسوأ ما يمكن أن تكون ودُمرت بالكامل، فكرت في الإنتحار مرارا، يا ليتني قد إنتحرت يومها، حينما كان إختيارا متاحا، أسبوع، كانت تلك هي المدة الوحيدة التي أمهلني إياها البؤس لكي يبدأ مرة أخرى في تدمير حياتي، بعد وفاة أبي وأمي لم أقدر أنني ما زلت حيا، كان ذلك هو الشيء الوحيد الذي أملكه، كان لذلك الطبيب زوجة وإبن في التاسعة وكانت له إبنة متزوجة، زارتنا مرتين تقريبا، وبعد مرور الأسبوع الأول سافر لأداء العمرة! 

كان توقيتا غريبا ولكنه تحجج بمنعهم له من السفر قبل ذلك، كنت متوعكا يوم ذهابه، نفس الأعراض اللعينة! الصداع وألم العضلات وغيرها، فحصني بإهتمام بالغ وكأني ولده وأعطاني أقراصا ما وأخبرني أن أذهب للمستشفى إذا تورم وجهي ولو قليلا، لم يكن وجهي متورما وكان ذلك مطمئنا بعض الشيء، بقي ذلك الصداع المزعج وأخذ يتزايد بمرور الخمسة أيام التالية، خمول شديد، ولكن لا تورمات هنالك، لم يكن بمقدوري أن أطلب من زوجة الطبيب مالا أو أن أسألها لتأخذني للمستشفى، كنت اشعر أنني أثقل عليهما كثيرا، ذهبت لأحد الصيدليات بصعوبة لأسأل الصيدلي أن يفحصني، سألني إذا كنت أعاني من إكتئاب أو توتر؟ أجبته أن نعم، قال إن هذا هو السبب وهم بأن يعطيني دواءا ما لكنني شكرته وقلت أنني سأعود لشرائه لاحقا.

 طمأنني أن التوتر هو السبب نوعا ما، ذهبت إلى المنزل وحاولت النوم، حاولت الإسترخاء مرارا ولكنني لم استطع، كان الصداع يتزايد، بدأت حرارتي بالإرتفاع أيضا، هناك محرك سيارة يدور بداخل جمجمتي محدثا ضجة، لم أكن أرى بصورة واضحة حتى، قررت الذهاب للمستشفى، ولكن النتيجة كانت كما هي، التوتر هو السبب، انت لا ترى بوضوح بسبب الصداع ولكن عيناك سليمتان، بعد ثلاثة أيام اخرى من العذاب نُقلت إلى ذات المستشفى، بواسطة الإسعاف!

لو كنت مستفيقا لنظرت لذات الطبيب الذي فحصني في المرة الأولى نظرة نصر، ليس التوتر هو السبب أيها الأحمق، كيف حصلت على هذه الوظيفة، ولكنني لم أكن لحسن الحظ، حظه هو بالطبع، فتلك العبارة " حسن الحظ " هي آخر ما يمكن أن تصفني به، يموت والداي بسبب عدم تشخيص مرض لعين، ثم يصيبني ذلك المرض نفسه ولا يتم تشخيصه أيضا، مشكلة تلك الأقاليم أنها متأخرة عن القاهرة في جميع المجالات، متأخرة بخمسين عاما أو أكثر، القاهرة نفسها متأخرة عن العالم كله، قرر الطبيب العبقري أن أبدأ في تناول المسكنات القوية، كانت النتيجة هي أن زادت حالتي سوءا، أصبت بحمى حادة، لم يكن أحد يعرف ماذا بي.

 كنت أستيقظ لبضع دقائق أتمنى فيها الموت ثم أنام مرة أخرى، أستطيع أن أميز وجه الطبيب صديق أبي ووجه ممرضة ما، لابد أنني قضيت أسبوعا في هذا السرير أو أنه قد عاد مبكرا من اجلي، هممت بالنطق قبل أن يخرج سكينا من مكان ما ويصرخ قائلا: أنت السبب في كل شيء.. ثم أغمد السكين في صدري وصرخ في عصبية مفرطة: إذهب إلى الجحيم إلى حيث ينتمي أمثالك، ومع تلك اللحظة التي اخترق السكين فيها صدري لم أشعر بشيء، بعد حوالي خمسة دقائق أفقت، لم يكن هناك سكين في صدري ولا يبدو أن هذا قد حدث، يتكلمون عن التهاب ما قد أصابني، لم استطع التركيز فقد كانت الإضاءة في الغرفة شنيعة بحق، لا أعلم كيف يتحملون كل هذه الأضواء!

بعد ذلك جاء صديق أبي ليخبرني، النكاف أو التهاب الغدة النكفية مرض مضاعفاته خطيرة للغاية، يؤدي لحمى بالغة الشدة قد تؤدي للوفاة إذا تم إهماله، أهم أعراضه هو تورم الغدة النكفية، أحد الغدد اللعابية هي، حوالي 95% فقط من المصابين يصابون بذلك التورم، وفقط هنا تعني أن تلك النسبة ضئيلة للغاية فلم تسع شخصا إضافيا لتمنحه تورما ينقذه للأبد، تلك النسبة الضئيلة لم تسعني وأبي، صدفة أودت بحياته وحياتي، أودت بحياتي لأنها قد دُمرت تماما فلو صعدت روحي لبارئها الآن لكان ذلك أفضل للجميع، لم يصيبني ذلك التورم اللعين بينما كان ذلك الإلتهاب يدمرني تماما، بدأ الطبيب يسب ويلعن الغدة النكفية، ثم ظهرت الغدة النكفية من مكان ما وبدأت أنا بالتشنج عندما رأيتها ثم فقدت الوعي.

عندما أفقت كان يمسك ذلك السكين، الذي طعنني به منذ قليل، أخذت أصرخ في هلع حقيقي وكان هو لا يعلم لماذا اصرخ، وكأن قتلي بسكين هو أمر عادي، حاولت أن أغادر الفراش ولكن ألم شنيع في رقبتي جعلني أتوقف عن الحركة وعن الصراخ، وكان هو قد ترك السكين واقترب ينظر إلي، كان لسان حاله يتمنى لو لم يمت صديقه ذاك ويترك تلك المصيبة له، كان ينظر لي في شفقة حقيقية، استطعت أن أميز أن هناك دموعا في عينيه، ربما أثّر صراخي به فعدل عن فكرة قتلي، ولكن كيف عرفت منذ قليل أنه يهم بذلك؟ قرأت كثيرا عن هؤلاء الذين أصيبوا بحوادث جعلتهم يمتلكون حاسة اضافية، ليست سادسة أو سابعة فالحواس الأساسية ليست خمسة فقط كما يعتقد الكثيرون، ولكنها حاسة اضافية بأي حال، يقرأون الأفكار أو يشاهدون المستقبل، هل ما شاهدته منذ قليل كان المستقبل؟ هل أنقذت تلك الحاسة حياتي؟ لماذا يبكي ذلك الرجل؟ أهو نادم لتلك الدرجة؟ سوف تعرفون.. لاحقا.. فأنا سوف أنام الآن.. ذلك الصداع يكاد يفجر رأسي.

Share/Bookmark
rss